الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
وكانوا يعبرون عما يكتب من ذلك بالظهائر والصكوك: فالظهائر جمع ظهير وهو المعين سمي مرسوم الخليفة أو السلطان ظهيراً لما يقع به من المعاونة لمن كتب له. والصكوك جمع صكٍ وهو الكتاب قال الجوهري: وهو فارسي معربٌ والجمع أصكٌ وصكاك وصكوك ثم تحامى المتأخرون منهم لفظ الصك لما جرى به عرف العامة من غلبة استعماله في أحد معنيي الاشتراك فيه وهو الصفع واقتصروا على استعمال لفظ الظهير. ولذلك حالتان: الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الزمن القديم واعلم أنه لم يكن لهم مصطلح يقفون عند حده في الابتداءات بل بحسب ما تقتضيه قريحة الكتاب فتارةً يبتدأ بلفظ: من فلان إلى فلان أو من فلان إلى أهل فلانة أو إلى الأشياخ بفلانة أو يصلكم فلانٌ بهذا الكتاب. وتارة يبتدأ بأما بعد حمد الله. وتارةً يبتدأ بلفظ تقدم فلان بكذا. وتارة يبتدأ بلفظ مكتوبنا هذا وغير ذلك مما لا ينحصر. فمن الظهائر المكتتبة لأرباب السيوف عندهم ما كتب به بولاية ناحيةٍ وهي: من فلانٍ إلى أهل فلانة أدام الله لهم من الكرامة أتمها ومن الرعاية أوفاها وأسبغ عليهم برود نعمه الجزيلة وأصفاها. أما بعد حمد الله ميسر أسباب النجاح ومسني مرام الرشاد والصلاح والصلاة على سيدنا محمدٍ رسوله نبي الرحمة والرفق والإسجاح وعلى آله وصحبه المتصفين بالقوة في ذات الله تارةً وتارةً بخفض الجناح والرضا عن الخليفة أمير المؤمنين ذي الشرف الذي لم يزل بالهدى النبوي متوقد المصباح والدعاء للمقام الإماري بالنصر الذي يؤتي مقاليد الافتتاح والتأييد الماضي حد رعبه حيث لا يمضي غرار المهند وشبا الرماح فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم سكون الأرجاء وهدوها وأجرى لكم بالصلاح رواح الأيام وغدوها - من فلانة وللدولة العلية بركاتٌ تكاثر السحب في انسكابها وانسجامها وتقود الخيرات والمسرات في كل أوبٍ بزمامها والحمد لله حمداً يقضي بوفور جزيلات النعم وجسامها. وإن الاهتمام بكم لمستبقٌ على كل غرضٍ جميل ومقدمٌ فيما يحظيكم بكل بغية وتأميل وبحسب هذا لا يزال يختار لكم من الولاة كل مختار منتخب ولا يقدم عليكم إلا من ينتهي إلى أثيل حسبٍ وكريم منتسب ولا يزال يداول موضعكم بين كل طريقةٍ تتصل من حسن السير وسداد النظر بأمتن سبب وعلى هذا الأصل استخرنا الله وهو المستخار والذي يقضي ما يشاء ويختار في أن قدمنا عليكم وولينا للنظر فيما لديكم من له التقدم في الإقدام والاضطلاع الثابت الأقدام وذلك فلان وآثرنا كم به اعتناءً بجانبكم واهتبالاً وخصصناكم منه بمن يفسح في كل أثر حميدٍ مجالاً والمعتقد فيه أن يعمل على شاكلته بنباهة مكانه وأن يبذل في الانتهاض والاكتفاء غاية وسعه وإمكانه وعليه أن يلازم تقوى الله العظيم في سره وعلنه ويجري على سبيل العدل وسننه ويشمر عن ساعده في الدفاع عن أحوازكم كل التشمير ويأخذ على أيدي أهل التعدي أخذاً يقضي على الفساد وأهله بالتتبير ويقصد بكم سديد السعي ورشيد الرأي في الدقيق والجليل والصغير والكبير ويسوي في الحق بين الحافل والتافه والغني والفقير وعليكم أن تسمعوا وتطيعوا ولا تهملوا حق الامتثال والائتمار ولا تضيعوا وأن تكونوا يده التي تبطش وأعوانه فيما يحاول من مستوفي المساعي المرضية ومستوعبها وأن تتعاونوا على التقوى والبر وتقفوا له عند النهي والأمر وتجتهدوا معه في مصالحكم كل الاجتهاد وتعتمدوا على ما رسمناه لكم أتم الاعتماد وستجدون من مواليكم - إن شاء الله - ما يوافق الظن به ويلائم ومنها ما كتب به في ولاية ناحيةٍ أيضاً وهي: من فلان إلى أهل فلانة أدام الله تعالى كرامتهم بتقواه وعرفهم أحق النظر بمصالحهم وأحراه. وبعد فإنا كتبناه لكم - كتب الله لكم أحوالاً متصلة الصلاح حميدة الاختتام والافتتاح - من فلانة ونعم الله سبحانه موفورة الأقسام صيبة الغمام وقد اقتضى ما نتوخاه من الاحتياط على جوانبكم ونعتمده من الإيثار لكم والاعتناء بكم أن نتخير للتقديم عليكم من نعلم منه الأحوال المرضية حقيقة ونحمد سيره فيما يحاوله وطريقه. ولما كان فلان ممن حمدت مقاصده وشكرت في المحاولات الاجتهادية عوائده وحسنت فيما نصرفه فيه مصادره وموارده رأينا - والله القاضي فيما نذره ونأتيه بالتوفيق الذي يكون به انقياد النجح وتأتيه - أن نقدمه لحفظ جهاتكم وتأمين أرجائكم وجنباتكم ووصيناه أن يجتهد فيما قلدناه من ذلك كل الاجتهاد وينتهض في إذهاب الشر وإرهاب أهل الفساد وبأن يسلك فيما يتولاه من الأحكام سنن الحق ويجري على سبيل العدل والرفق ويدفع أسباب المظالم وينصف المظلوم من الظالم فإذا وافاكم فتلقوه بنفوس منبسطة وعقائد على العمل الصالح مرتبطة وكونوا معه على تمشية الحق يداً واحدة وفئةً في ذات الله متعاونةً متعاضدة بحول الله سبحانه. وإنا كتبناه إليكم - كتبكم الله من المتعاونين على البر والتقوى وأعلقكم من طاعته بالحبل الأمتن الأقوى - من فلانة: والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والاستعانة به والتوكل عليه وقد صرفنا إليكم فلاناً بعد أن أقام هنا شاهداً مشاهد للتعلم نافعة مباشراً من المذاكرة في الكتاب والسنة مجالس ضامنةً لخير الدنيا والآخرة جامعة مطالعاً لأحوال الموحدين أعزهم الله في مآخذهم الدينية ومقاصدهم المحيية لما درس من الملة الحنيفية فنال بذلك كله خيراً كثيراً وأحرز به حظاً من السعادة كبيراً وظفر منه بما يكون له في كل ما ينظر فيه سراجاً منيراً وقد أعدناه إلى الشغل الذي كان يتولاه لجهتكم حرسها الله ووصيناه بتقوى الله تعالى الذي لا يطلع على السرائر سواه وأن يكون بما شاهده مما تقدم ذكره مقتدياً وبأنواره الساطعة التي لا يضل من اهتدى بها مهتدياً ولا يستند في شيءٍ من أحكامه إلى من لا يقوم على عصمته دليل ولا جعل إليه تحريمٌ ولا تحليل فأعينوه - وفقكم الله - على تمشية هذه المقاصد الكريمة أكرم إعانة واسلكوا من مظاهرته على الحق وموازرته على المسالك التي تستبين هنالكم أتم استبانة إن شاء الله تعالى. ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدينية ما كتب به في ولاية قاض وهو: أما بعد حمد الله رافع علم الحق لمن اهتدى وواضع ميزان القسط بالشريعة المحمدية الآخذة بالحجز عن مهاوي الردى ومؤيد الدين الحنيفي بمن ارتضى لتحديد حدوده وتجديد عهوده وهدى والصلاة على سيدنا محمدٍ نبيه الكريم الذي أرسله إلى الناس كافة غير مستثنٍ عليه من الخلق أحداً وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في نصره وإظهار أمره جدداً والرضا عن الخليفة أمير المؤمنين العباسي الأطيب عنصراً ومحتداً فإنا كتبناه إليكم - كتبكم الله ممن اعتز بطاعته وتقواه واعتصم من حبله المتين بأوثقه وأقواه - من فلانة وفضل الله سبحانه مديد الظلال وتوكلنا عليه - عز وجهه - ظهيرنا المعتمد به في كل حال وعمادنا الذي نقدمه فيما ندبره من الأعمال وإنكم من عنايتنا وموصول رعايتنا لبالمحل الأدنى ومن خاص نظرنا واهتمامنا لمن نكلف بشأنه كل ونعنى ونعتمد من ذلك بالأحسن فالأحسن فجزاء الذين أحسنوا الحسنى. وقد علمتم - وصل الله كرامتكم - أن الأحكام الشرعية هي ملاك الأمور ونظامها وعليها مدار الأعمال الدينية وبها تمامها وأنه لا يصلح لها إلا من تجرد عن هواه وآثر الحق على ما سواه واتبع حكم نبيه - عليه السلام - في كل ما عمله ونواه وتجمل بالدراية وحمل الرواية فكانتا أظهر حلاه واتسم بالعدل والاعتدال فيما وليه من ذلك أو تولاه وكان ممن أطلق الحق لسانه وقيد الورع يمناه وقد أمعنا النظر فيمن له من هذه الأوصاف أوفى نصيب ومن إن رمى عن قوس نظره الموفق كان سهمه المسدد مصيب: لنخصكم به قاضياً في هذه الأحكام ونقدمه للفصل بينكم في القضايا الشرعية حكماً من صالحي الحكام فرأينا أهلاً لذلكم ومحلاً من اختبرت على النهج القويم أحواله وارتضيت فيما نيط به من ذلك أعماله وأقواله وشهد له الاختبار بالانكفاف عن كل سابق وغائب وعن ارتكاب الثنيات إلى السنن اللاحب وذلكم فلان أدام الله كرامته وتوفيقه ويسر إلى مسالك النجاة مسلكه وطريقه فأنفذناه إليكم حكماً مرضي لما لديه من استقامة الأحوال عن الوصايا ما خلا التذكير والتنبيه والوصية بتقوى الله فهي التي تعصم العامل بها وتنجيه فقد وصى بها الله من اختاره من خلقه لإقامة حقه وارتضاه فقال تعالى: فتلقوه - أدام الله كرامتكم - بنفوس منبسطة وقلوبٍ مبتهجة مغتبطة وأهواءٍ على التظافر والتناصر في الحق مجتمعةٍ مرتبطة وتعاونوا في ذات الله على الطاعة وكونوا في سبيل الله يداً واحدةً فيد الله مع الجماعة واستعينوه سبحانه يتولاكم بالحفظ الشامل ويستعملكم من طاعته وسلوك سبل مرضاته بأنجى ما استعمل به عامل والسلام. ومنها ما كتب به أبو الحسن الرعيني في ولاية قاضٍ وهي: من فلانٍ إلى الأشياخ بفلانة أدام الله كرامتهم بتقواه واستعملهم فيما يحبه ويرضاه. أما بعد فإنا كتبناه إليكم - كتب الله لكم حسناه وأوزعكم شكر ما خولكم من نعماه ورحماه ومن مقاصد هذا الأمر العزيز - أدامه الله - ما يعلي يد الحق ويسميها ويسدد سهام العدل إلى أغراضها ومراميها ويتكفل بالجزاء لمن لاذ بأكناف الطاعة ونواحيها والحمد لله على نعمه التي لا نحصرها ولا نحصيها. وإلى ذلكم فإن فلاناً لما تمكنت الثقة بجميل صفته واستنامت البصيرة إلى استحكام سنه ومعرفته وقد كان تقدم له من خدمة المر وأوليائه ما نجده مع الأيام وخرجه وخصصه من كريم الاستعمال بما استدناه إلى مراقي الذكاء واستدرجه رأينا - والله المستعان - أن نقدمه للنظر في قضاياكم الدينية وأحكامكم الشرعية بعد أن وصيناه بتقوى الله فقدمها وعرضنا عليه ما يعلمه ويلزمه من شروط الحكومة فالتزمها فلينهض إلى ما قدمناه على بركة الله تعالى مشمراً عن ساعد الحزم آخذاً في كافة أموره بما يأخذه أولو العزم جارياً على السنن الواضح المعروف مسوياً في الحق بين النبيه والخامل والشريف والمشروف محتسباً على إقامة فروض الدين أكرم احتساب مكتسباً من الأجر في ردع الظلم والباطل أفضل اكتساب راجياً في تمشية العدل على رغمٍ من أباه ما يرجو المؤمن المحقق من زلفى وحسن مآب ولدينا من عقده على ذلك ما يحسن مقصده ويمكن في بسطة الحق مقعده فإذا وافاكم فاستبشروا بموافاته وقفوا عند ما يمضيه من لوازم الشرع وموجباته وتعاونوا على الخير تعاوناً يجزل حظكم من فضل الله ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الديوانية ما كتب به أبو المطرف بن عميرة بولاية وزارةٍ وهو: مكتوبنا هذا بيد فلان أدام الله علاءه وحفظ عنايته وغناءه يجد به مكان العزة مكيناً ومورد الكرامة عذباً معيناً وسبيل الحرمة المتأكدة واضحاً مستبيناً ويتقلد وزارتنا تقلد تفويضٍ وإطلاق ويلبس ما خلع عليه منها لبسة تمكن واستحقاق وينزل من رتبتها العليا منزلةً شرفها ثابتُ وحماها باق ويسوغ الدار المخزنية التي يسكنها بفلانة تسويغاً يملكه إياها أصح تمليك ويفرد فيها من غير تشريك إن شاء الله تعالى والسلام. ومنها ما كتب به أبو عبد الله بن الأبار في مشارفة ناحيةٍ وهو: عن إذن فلان يتقدم فلان للنظر في الأشغار المخزنية بفلانة موفياً ما يجب عليه من الاجتهاد والتشمير والجد الذي ارتسم في الإنماء والتثمير مصدقاً ما قدر فيه من الانتهاض والاستقلال وقرر عنه من الأمانة التي رشحته وأهلته لأنبه الأعمال جارياً في ضبط الأمور المخزنية والرفق بجانب الرعية على المقاصد الجليلة والمذاهب المرضية في عامة الشؤون والأحوال عاملاً بما تقدمت به الوصية إليه وتأكدت الإشارة به عليه من تقوى الله في السر والعلن علماً أن المرء بما قدمته يداه مرتهن. ومنها ما كتب به المذكور بإعادة مشارف إلى ناحيةٍ وهو: يعاد بهذا المكتوب فلانٌ إلى خطة الإشراف بفلانة: رافلاً من ملابس التكرمة والحظوة في شفوفها مخلى بينه وبين النظر في ضروب الأشغال المخزنية وصنوفها فهو المعروف بالكفاية والاجتهاد الموصوف بحسن الإصدار والإيراد وأولى الناس بالتزام النصيحة والازدياد من بضائع الأعمال الربيحة من كثرت النعم السلطانية لديه ودفع إلى الخطط ودفعت إليه فليتقلد هذه الخطة بحقها من الانتهاض والتشمير وتأدية الأمانة بالإنماء والتثمير وليتزود تقوى الله تعالى ليوم يسأل عن النقير والقطمير جارياً في أموره كلها على الطريقة السوية جامعاً بين الاحتياط للمخزن والرفق بالرعية غير عادلٍ في حالٍ من الأحوال وفنٍ من فنون الأعمال عن مقتضى هذه الوصية إن شاء الله تعالى. الطرف الخامس فيما كان عليه الأمر في الدولة الفاطمية بالديار المصرية وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة أنه كان بها من وظائف أرباب السيوف الوزارة إذا كان الوزير صاحب سيف والنظر في المظالم وزم الأقارب ونقابة العلويين وزم الرجال والطوائف: كالأموية والحافظية والأفضلية وغيرهم ممن تقدم ذكره في ترتيب دولتهم وولاية الشرطة وولاية المعاون والأحداث وولاية الحماية وولاية حفظ الثغور والإمارة على الحج والإمارة على الجهاد وولاية الأعمال وغير ذلك. ومن الوظائف قضاء القضاة والدعوة إلى مذهبهم: والنظر في الأوقاف والأحباس والنظر في المساجد وأمر الصلاة وغير ذلك. وكانت كتابة ما يكتب لديهم لأرباب الولايات على نوعين: النوع الأول ما كان يكتب به عن الخليفة نفسه وكان من شأنهم أنهم يتعرضون في أثناء الولاية لإشارة الوزير بتولية المولى وثنائه عليه وربما أهملوا ذلك وكانوا يسمون جميع ما يكتب من ديوان الإنشاء سجلات وربما سموه عهوداً وعليه يدل ما كتبه العاضد آخر خلفائهم في طرة سجل السلطان صلاح الدين بالوزارة: هذا عهدً لا عهد لوزيرٍ بمثله على ما تقدم ذكره في الكلام على عهود الملوك. ولهم فيها أربعة مذاهب: المذهب الأول أن يفتتح ما يكتب في الولاية بالتصدير وهو من عبد الله ووليه فلانٍ أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان بالألقاب المنعوت بها من ديوان الخلافة ويدعى له بدعوتين أو ثلاثٍ ثم يقال: سلامٌ عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويؤتى من وصف الخليفة ومدحه بما يناسب المقام. ثم هو بعد ذلك على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى أن يقال بعد التصدير المقدم أما بعد فالحمد لله ويؤتى من التحميد بما يناسب تلك الولاية ثم يؤتى بتحميدةٍ ثانيةٍ وثالثة وتكون الثالثة متعلقةً بالنعم الشاملة لأمير المؤمنين ثم يقال: وإن أمير المؤمنين لما اختصه الله به من كذا وكذا ويذكر ما سنح من أوصاف الخليفة ويذكر أنه تصفح الناس وسبرهم فلم يجد من يصلح لتلك الولاية إلا هو ويذكر من صفته ما اتفق ذكره ثم يذكر تفويض الولاية إليه ويوصيه بما يناسب ويختم بالدعاء ثم بالسلام مع التفنن في العبارة واختلاف المعاني والألفاظ والتقديم والتأخير بحسب ما تقتضيه حال المنشئ وتؤدي إليه قريحته. وهي على ضربين: وعلى ذلك كتب سجلات وزرائهم أصحاب السيوف القائمين مقام السلاطين الآن من لدن وزارة أمير الجيوش بدرٍ الجمالي وزير المستنصر: خامس خلفائهم وإلى انقراض دولتهم. وقد تقدم منها ذكر عهدي المنصور: أسد الدين شيركوه بن شادي ثم ابن أخيه الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالوزارة عن العاضد في جملة عهود الخلفاء والملوك حيث أشار في التعريف إلى عدهما من جملة عهود الملوك. ومن أحسنها وصفاً وأبهجها لفظاً وأدقها معنى ما كتب به الموفق بن الخلال صاحب ديوان الإنشاء عن العاضد المتقدم ذكره بالوزارة لشاور السعدي بعد أن غلبه ضرغام عليها ثم كانت له الكرة عليه. وهذه نسخته: من عبد الله ووليه عبد الله أبي محمد العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيد الأجل سلطان الجيوش ناصر الإسلام سيف الإمام شرف الأنام عمدة الدين أبي فلان فلان. سلامٌ عليك: فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ خاتم النبيين وإمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأئمة المهديين وسلم تسليماً. أما بعد فالحمد لله مانح الرغائب ومنيلها وكاشف المصاعب ومزيلها ومذل كل عصبة كلفت بالغدر والشقاق ومذيلها ناصر من بغي عليه وعاكس كيد الكائد إذا فوق سهمه إليه وراد الحقوق إلى أربابها ومرتجع المراتب إلى من هو أجدر برقيها وأولى بها ومسني الخير بتيسير أسبابه ومسهل الرتب بتمهيد طرقه وفتح أبوابه ومدني نائي الحظ بعد نفوره واغترابه ومطلع الشمس بعد المغيب ومتدارك الخطب إذا أعضل بالفرج القريب مبدع ما كان ويكون ومسبب الحركة والسكون محسن التدبير ومسهل التعسير: والحمد لله الذي اختص أولياء أمير المؤمنين الأبرار بالاستعلاء والظهور وذلل لهم جوامح الخطوب ومصاعب الأمور وآتاهم من التأييد كل بديع مستغرب وأنالهم من كل غريبٍ إذا أورد قصصه أطرب ومكنهم من نواصي الأعداء وشملهم بعناياته في الإعادة والإبداء وضمن لهم أحمد العواقب وأرشدهم إلى الأفعال التي ثبتت لهم في صحائف الأيام أفضل المناقب وهداهم بأمير المؤمنين إلى ما راق زلاله وتم غاية التمام كما أنه كان لرضا الله سبحانه وحسن ثوابه مآله ويمدهم في المجاهدة عن دولته بالتأييد والتمكين ويحظيهم من أنوار اليقين بما يجلو عن أفئدتهم دجى الشك البهيم ويظهر لأفهامهم خصائص الإمامة في حلل التفخيم والتعظيم ويريهم والحمد لله الذي استثمر من دوخة النبوة الأئمة الهادين وأقامهم أعلاماً مرعدةً في محجة الدين وبين بتبصيرهم الحقائق وورث أمير المؤمنين شرف مقاماتهم وجعله محرز غاياتهم وجامع معجزاتهم وآياتهم وقضى لمن التحف بظل فنائه واشتمل بسابغ نعمه وآلائه وتمسك بطاعته واعتصم بولائه بالخلود في النعيم المقيم والحلول في مقام رضوانٍ كريم: يحمده أمير المؤمنين على نعمه التي جعلته للبشر إماماً وأمضت له في المشارق والمغارب أوامر وأحكاماً وجرد من عزمه في حياطة دين الله عضباً مرهفاً حساماً واستخلص لإنجاد دولته من أوليائها أكملهم شجاعةً وإقداماً وأحسنهم في تدبير أمورها قانوناً ونظاماً وأتمهم لمصالح أجنادها ورعاياها تفقداً واهتماماً وأولاهم بأن لا يوجه عليه أحدٌ في حقٍ من حقوق الله ملاماً وأجدرهم بأن يحل من جميل رأي أمير المؤمنين دار سلام يلقى فيها تحيةً وسلاماً ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ خاتم النبيين الذي أعلن بالتوحيد وجهر وغلب بالتأييد وقهر وأظهر المعجز البديع واستطال إعجازه وبهر وأطلع نور الإسلام واشتهر في المشارق والمغارب إشراقه وظهر وعلى أخيه وابن عمه أبينا علي بن أبي طالب سيف الله الذي شهره على الكفر وسله وكفله إعزاز الدين فأعظمه بجهاده وأجله وقرع بعزه صفاة الإلحاد فأزاله بعزه وأذله وقصد الأصنام وأرغم من استغواه الشيطان باتباعها وأضله وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الدين وهداة المتقين وموضحي سبيل الحق لأهل اليقين وموصلي الأنوار الدينية إلى بصائر المؤمنين صلاةً تتكرر وتتردد وتدوم مدى الأيام وتتجدد. وإن أمير المؤمنين - لما اختصه الله به من المنصب الشريف وسما به إليه من المحل الشامخ المنيف وفوضه إليه من تدبير خلقه وأفرده به من اتباع أمره والقيام بحقه وناطه به من المحاماة عن الملة الحنيفية والاجتهاد في أن يشمل أهلها بالحالة السنية والعيشة الهنية وإعانته في إظهار شعارها وتأييده في إظهار علوها على الملك واقتدارها - يبذل جهده في الاستعانة بمن تقوم به حجته عند الله بالاعتماد عليه ويتوثق لنفسه في اختيار من يقوم برضا الله في إسناد الأمور إليه ويحرص على التفويض لمن يكفي في التدبير وتحيط غاية نظره بالصغير من رجال الدولة والكبير تقرباً إلى الله بالعمل فيما ولاه بما يرضيه وازدلافاً باتباع أمره في كل ما ينفذه ويمضيه. وقد كان أمير المؤمنين تصفح أولياء دولته وعظماء مملكته وأكابر شيعته وأنصار دعوته فوجدك أيها السيد الأجل أكملهم فضلاً وأقلهم مثلاً وأتمهم في التدبير والسياسة إنصافاً وعدلاً وأحقهم بأن تكون لكل رياسةٍ وسيادةٍ أهلاً ففوض إليك في أمور وزارته وعول عليك في تدبير مملكته وجمع لك النظر فيما وراء سرير خلافته فجرت الأمور بمقاصدك السعيدة على إيثار أمير المؤمنين وإرادته واستمر أمر المملكة بمباشرتك على أحسن قانونه وعادته وشملت الميامن والسعود أتم اشتمالٍ على تفصيله وجملته وانحسمت الأدواء وذلت بسطوتك الأعداء وزالت في أيامك المظالم والاعتداء وحسنت بأفعالك الأمور وظهر بك الصلاح وكان قبل وزارتك قليل الظهور فانبسطت الآمال واتسقت الأعمال وأقمع الضلال وأمنت الأهوال وخلصت من الرأي السقيم وحظيت بالملك العقيم وغدا جندها ورعاياها ببركة رأيك في النعيم المقيم. فلما رمقتك عين الكمال وألهب قلوب حسدتك ما أوتيته من تمام الخلال تكاثر من يحوك المكايد وتظافر عليك المنافس والمعاند ورنت إليك إساءة من عاملته بالإحسان وعدت عليك خيانة من ائتمنته أتم ائتمان وتم له المراد بوفائك وغدره وسلامة صدرك ومكره واتفاق ظاهرك وباطنك ومباينة سره لجهره فكان ما هونه في نفسه سلامة لنفس وأكبر الولد ومنح في إسداده نعماً لا تنحصر بعدد وأفظع ما كان فيه ما أصيب به ولدك الأكبر رضي الله عنه الذي أصيب وهو مظلوم ولو لم يصب لم يمتنع من الأجل المحتوم فربحت بما نالك ثواباً واستفتح لك الحظ من النصر على الباغي باباً واغتصب الغادر ما لا يستحق ورآه أمير المؤمنين بصورة المبطل ورآك بصورة المحق وهدتك السعادة إلى العمل بسيرة الأنبياء في الانحياز عن الأعداء والتباعد عن أهل الغي والاعتداء فانسللت من الغواة انسلال الصارم من غمده وتواريت من العتاة تواري النار في زنده وقطعت المفاوز مصاحباً للعفر والعين حتى حللت بربوةٍ ذات قرارٍ ومعين وإن أمير المؤمنين يمدك في ذلك بدعائه ويعدك لتدبير دولته وقمع أعدائه ورآك وإن أبعدتك الضرورات عن بابه وأناتك الحادثات عن جنابه أنك وزيره المكين وخالصته القوي الأمين الذي لا ينزع عنه شمس وزارته ولا يؤثر له غير سلطانه ومملكته. ولما وجهت إلى أعمال أمير المؤمنين بمن استصحبته راجياً من عدوك الانتصار قاصداً إدراك الثار وحللت بعقوته وخيمت في جهته فاتصلت بينكم الحروب وعز على كلٍ منكما نيل المطلوب - أنجدك أمير المؤمنين عند علمه ببلوغ الكتاب أجله واستيفاء الوقت المحدود مهله بإظهار ميله إليك وميله عن ضدك وأن قصده مباينٌ لقصد المذكور موافقٌ لقصدك فسبب ذا نصرك وخذلانه وتقويتك وإيهانه ولأمير المؤمنين في حالة عناية تسعدك ورعايةٌ تؤيدك. فحين عدت إلى بابه عود الشموس إلى مشارقها قبلك أحسن قبول وتلقاك بتبليغ السول وكشف الغطاء عما كان يسره إليك ويضمره ويريده بك ويؤثره وجدد لك ما كنت تنظر فيه من الوزارة ومباشرة ما كان مردوداً إليك من السفارة والظهارة: لأنك أوحد ملوك العصر كمالاً وأوسعهم في حسن التدبير مجالاً وأشرفهم شيماً بديعةً وخلالاً وأصلحهم آثاراً وأعمالاً وأتمهم سعادةً وإقبالاً وأكثرهم تقيةً لله تعالى وما زلت للمفاخر جامعاً ولراية المجد رافعاً ولذى العلاء والسناء فارعاً تزدان العصور بعصرك وتتجمل الدنيا ببقاء نهيك وأمرك وتتعجب الأفلاك العلية من سعة صدرك وتتضاءل الأقدار السامية لعظيم قدرك وكم لك من منقبةٍ تجل أن يكيفها بديع الأقوال وتعظم أن يتمناها بديع الأقوال فالدولة العلوية بتدبيرك مختالةٌ زاهية وأركان أعدائها وأضدادها بحزمك وعزمك واهية وسعادات من تضمه وتشتمل عليه متضاعفةٌ غير منقطعةٍ ولا متناهية ولم تزل للإسلام سيفاً قاطعاً ماضياً وعلى الإلحاد سيفاً مرهفاً قاضياً تذود الشرك عن التوحيد وتصد الكفر عن الإيمان فيحيد مرغماً ويبيد وكم لك في خدمة أئمة الهدى من مأثرة تؤثر فتبهج ويورد ذكرها فيغري بالثناء عليك ويلهج وتبذلك في طاعتهم النفس والولد وتنتهي في مناصحتهم إلى الأمد الذي ليس بعده أمد فلذلك فزت بدعواتهم التي أعقبتك حسن العواقب وأحلتك المحل الذي لا تسموا إلى رقيه النجوم الثواقب فإذا رفعك أمير المؤمنين إلى منزلةٍ ساميةٍ وجد محلك لديه عنها يجل ويسمو وإذا خصك بفضيلةٍ ما صادف استحقاقك عنها يرتفع ويعلو وإذا استشف خصائصك وجدها بديعة الكمال يمتنع أن يدرك مثلها بحرص ساعٍ أو ينال وقد توافقت الخواطر على أنك أوحد وزراء الدولة العلوية ظفراً ونظراً وأحسنهم في طاعتها ومخالصتها أثراً وأفضلهم خبراً وأطيبهم خبراً وقد جدد لك أمير المؤمنين اصطفاءك لوزارته واجتباءك لتدبير مملكته وجعلك الفرد المشار لك في دولته. فتقلد ما قلدك أمير المؤمنين من هذه المهمات الجسام وتسنم ما وطده لك من هذه الرتب العظام وتلق آلاءه بما يثبتك في جرائد الأبرار ويمنحك مصاحبة التوفيق في الإيراد والإصدار وباشر ما ناط إليك من كبير الأمور وصغيرها وجليل الأحوال وحقيرها وابسط يدك في تدبير دولته وأنفذ أوامرك في أرجاء مملكته واعن بما جعله لك من تدبير جيوشه الميامين وأوليائه المتقين وكفالة قضاة المسلمين وهداية دعاة المؤمنين ورب أحوال جنوده ورعاياه أجمعين واعمل في ذلك بتقوى الله الذي ما برحت لك دأباً وطريقة وشيمة وخليقة وبها النجاة من النار والسلامة في دار القرار والفوز بمعنى الخلاص في يوم المناقشة والقصاص فالعارف من مهد بها مقامه في الآخرة تمهيداً وأحرز بها من الثواب في الآخرة مزيداً بقول الله في الكتاب الذي جعله في الإعجاز فريداً: " يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ". وراقب الله فيما ألقاه إليك فقد فوض إليك مقاليد البسط والقبض والرفع والخفض والولاية والعزل والقطع والوصل والتولية والتصريف والصرف والإمضاء والوقف والغض والتنبيه والإخماء والتنويه والإعزاز والإذلال والإساءة والإجمال والإبداء والإعادة والنقص والزيادة والإنعام والإرغام وكل ما تحدثه تصاريف الأيام وتقتضيه مطالب الأنام فهو إليك مردود وفيما عدق بنظرك معدود. وأما العدل ومد رواقه وإقامة مواسمه وأسواقه والإنصاف واتباع محجته والاعتماد على أحكامه وأقضيته وكف عوادي الجور والمظالم وحمل الأمر على قصد التصاحب والتسالم وإظهار شعار الدين في إنصاف المتداعين إلى الشرع المتحاكمين والدعوة الهادية وفتح أبوابها للمستجيبين وإعزاز من يتمسك بها من كافة المؤمنين والأموال والنظر فيها والأعمال أقاصيها وأدانيها فكل ذلك محررٌ في تقليد وزارتك الأول وأنت أولى من حافظ على العمل به وأكمل. وأما أمراء الدولة الأكابر وصدورها الأماثل وأمراؤها الأعيان وأولياؤها الذين بسيوفهم تقام دعائم الإيمان فأنت شفيعهم في كل مكان ومعينهم الذي يبذل جهده بغاية الإمكان والجاهد لهم في النفع والصلاح والحريص على دفع ما يلم بكلٍ منهم من الضرر والاجتياح وما زلت لهم في الأغراض بحضرة أمير المؤمنين مساعداً وعلى ما يبلغهم الآراب حريصاً جاهداً وتخصهم دائماً بعنايتك وتمدهم برعايتك وتعمل لهم في الحاجات صائب رأيك فأجرهم على ما ألفوه من الاعتناء والإجمال وبلغهم من محافظتك نهايات الآمال فهم أبناء الملاحم ومصطلو لهب الجمر الجاحم ومصافحوا الصفاح المرهفة الضروب وملاعبو الرماح العاسلة ذات الكعوب وأمير المؤمنين يعلم أنك بفضل فطرتك وثاقب فطنتك وما ميزك الله به من قديم حنكتك وتجربتك تغنى عن الوصايا وتنزه عن توسيع الشرح في القضايا وإنما أورد لك هذا النزر منها على جهة التيمن بأوامر الأئمة والتبرك بمراسيم هداة الأمة والله يحقق لأمير المؤمنين فيك الأمل ويوفقك في خدمته للقول والعمل ويعينك على إصلاح دولته واغتنام فرص طاعته وبذل الجهد والطاقة في مناصحته والاجتهاد في رفع منار دعوته ويؤيدك على أعداء مملكته ويرشدك إلى العمل بما يسبغ عليك لباس نعمته فاعلم هذا من أمير المؤمنين ورسمه وانته إلى موجبه وحكمه إن شاء الله تعالى. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته والتحميد. وعلى ذلك كتب الموفق بن الخلال أيضاً عن العاضد بولاية ابن شاور السعدي نيابة الوزارة عن أبيه وتفويض الأمور إليه وهذه نسخته: من عبد الله ووليه بألقاب الخلافة إلى فلان بالنعوت اللائقة به. سلامٌ عليك إلى آخر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما تقدم في سجل الوزارة لأبيه. أما بعد فالحمد لله مؤيد الحقائق بأفضل الأنصار ومعز الممالك بأكمل ذوي النفاذ والاستبصار وجاعل الولد البار لوالده ركناً وسنداً والنجل المختار لناجله نجدةً ومدداً مرتب الممالك على أفضل نظامها ومرقي الدول إلى المؤثر من إجلالها وإعظامها: ليتضح للمتأملين فضل تأكد الأواصر ويستبين للناظرين فصل تباين العناصر إبراماً منه - جل وعز - لأسباب الحكمة وتوسيعاً لسبيل الحنان والرحمة وشمولاً لما يتتابع به إحسانه من المن الجسيم " فَضْلاً منَ الله ونِعْمَةً وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ". والحمد لله معلي الدرجات ورافعها ومفيد الأمم ونافعها ومزيل البأساء ودافعها ومجيب الدعوات وسامعها ومضاعف المصالح وجامعها الذي وقف على الدولة العلوية أحسن السير وخصها فيمن تؤثر اصطفاءه بمساعدة القدر ويسر لها رائق التدبير بعد ملابسة الرنق والكدر وادخر لها من الأصفياء من تشرق الدنيا بأنواره وتزين الدهور بمحاسن آثاره وتسمو المفاخر بمفاخره ويتوالى الثناء على ما ابتكره من المكارم في أول نشئه وآخره ويتتابع الإحماد لمن يختاره ويجتبيه وتتضاءل أقدار الملوك إذا ذكر فضله وفضل أبيه وتسكن النفوس إلى تمام ورعه ودينه وينطق لسان الإجماع بصحة معتقده ويقينه. والحمد لله الذي شمل البرايا فضله وعم الخلائق عدله وأقرت العقول بأن إليه يرجع الأمر كله. يحمده أمير المؤمنين على نعمه الظاهرة التي أحظت دولته الظاهرة بمؤازرة البيت الجليل الشاوري وأيدت مملكته القاهرة بمحاماته عن حوزتها بالعضب المرهف والسمهري ويشكره على مننه التي استخلصت له منه أنصاراً يرهفون في طاعته العزائم ويحقرون في إرادته العظائم فيذبون عن حوزته ولا يخافون في ذات الله لومة لائم ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ الداعي إلى الهدى والمبعوث إلى الخلائق وهم إذ ذاك سدى والمناضل في نصرة الإسلام بالأسرة والآل والمطرح عاجل الدنيا الفانية لآجل المآل وعلى أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أقام من دين الله منكر الأود وقام لنبي الله مقام النجل المرتضى والولد وقط من طواغيت الكفر شامخ الهام وأوضح غامض التنزيل بما أفرده الله به من مزايا الإلهام وعلى الأئمة من ذريتهما أبناء الرسالة والإمامة والمختصين بإرث بيته المحبو بتظليل الغمامة والقائمين بنصرة الدين والمتفردين بإمرة المؤمنين. وإن أمير المؤمنين لما أقامه الله له من تمكين قواعد الدين واختاره لإيضاحه من إرشاد فرق المسلمين وأفضى به إليه من سر الإمامة المكنون وألقاه إليه من خفايا الإلهام الذي تستنبط من أنوارها علة ما كان ويكون وأمده من التأييد الذي يستأصل طواغيت النفاق بقوارع المهالك ويسلك بمردة أهل العناد أوعر السبل والمسالك وأنجده في كل الحالات بالألطاف الخفية التي تتكفل بإعلاء كلمته وتتضمن نصر أعلامه ونشر دعوته وآتاه جوامع المعارف والحكم وفرض طاعته على من دان بالتوحيد من جميع الأمم وألزم مقاصده وأنحاءه التوفيق وأوجب لها السعادة في كل جليلٍ ودقيق يفوض أمره إلى الخالق ويفيض جوده وبره في الخلائق فلا يزال لأحوال دولته مراقباً ولا ينفك يفيد كل ما يتعلق بها نظراً ثاقباً فإذا لاحت له لائحة صلاح أو بدت لنظره مخيلة نجاح اجتهد في توسيع مجالها وحرض على حثها وقصد إعجالها والتمس للدولة اجتلابها وفتح إلى استدعاء النفع بابها: لينمى الخير العميم في دولته ويتضاعف النفع الجسيم لرعيته وتكون كافة الخلق فيها بالأمنة والسكون مغمورين وبحسن صنيع الله بهم فرحين مسرورين. ولما تصفع أمير المؤمنين أحوال دولته وتأملها تأمل من يؤثر أن يفقه الفحص في كل مهم على حقيقته رأى أن الله جل وعلا قد منح أمير المؤمنين من خالصته وصفيه ووزيره وكافيه ووليه السيد الأجل بالنعوت والدعاء الذي قام بنصرته وكفل أهوال الحروب بنفسه وأولاده وأسرته وحالف التغرب والأسفار واستبدل من لين العيش بملاقاة السهام واللهاذم والشفار واتخذ ظهور الجياد عوضاً من الحشايا ومنازلة الأبطال دأباً في الحنادس والبكر والعشايا وآثر على لبس الغض المونق الجديد لباس اليلب ولأمات الحديد ولازم في ذات الله قرع أبواب الحتوف والتهجم على كل مخشي مخوف حتى ذلل الأعداء وقمع الاعتداء وحسم الأدواء وألزم الدهر بعد خطئه الاستهواء وأفاد دولة أمير المؤمنين باجتهاده عزاً وادخر لها عند الله من الأجر والمثوبة كنزاً وسير عنها في الآفاق أحسن الأحاديث وبين فضلها على غيرها في القديم من الدهر والحديث وأخلص لأمير المؤمنين في الطاعة حتى استخدم الموالي الموافق والمباين المنافق وكمل فضائله التي لا تحد ومحاسنه التي لا تنحصر ولا تعد بفضيلةٍ تفوت الفضائل ومنقبة تفوق بفخرها المناقب الجلائل: وهي ما وجهه الله له من بنوة الأجل فلان الذي لم يزل للدولة عزاً حاضراً وولياً ناصراً وعوناً قاهراً ومجداً ظاهراً وجمالاً باهراً. وما برح الله - جل وعلا - مراقباً ولرضاه وغفرانه طالباً قد جمع إلى كمال الدين وصحة اليقين المخالصة في طاعة أمير المؤمنين لا يفتر منذ مدة الطفولية عن درس القرآن ولا يباري بغير الأمور الدينية نجباء الأقران إن تصفحت محاسنه الدنيوية عد ملكاً مهذباً وإن تأملت مناقبه الدينية حسب ملكاً مقرباً وكم له من منقبة تستنقص الغيوث وشجاعة تستجبن الليوث ومهابةٍ ترد أحاديثها الجيوش على الأعقاب وتغريها بموالاة الحذر والارتقاب إذا أسهبت الخطوب أوجز تدبيره وإذا استطالت الحوادث قصر طولها فأعب تقريره فالدولة العلوية من ذبه في الحرم الآمن والخلافة العاضدية من ملاحظاته في تدبيرٍ يجمع أشتات الميامن فاجتماع المآثر قد وحده بشهادة الإجماع وتوالي المحامد قد أفرده بما شاع منه في الممالك وذاع تتحاسد عليه غر الأخلاق وتتنافس فيه المكارم منافسة ذوات الإشراق فلا توجد خلة فضلٍ بارعٍ إلا وقد جمعها ولا مكنه جبر قارع إلا وهو الذي مهد محجتها ووسعها ومقاماته في الجهاد والجلاد مقاماتٌ أوضحت الحقائق للأفهام وثبتت الدقائق تثبيتاً يبقى على غابر الأيام وأعزت دعوة الدولة العلوية وأيدتها ونصرت أعلامها ونشرتها وأكتنفت بالتفضيل والإحسان رجالها وأزالت بالجد والتشمير أوجالها ومحت آثار عداتها بالسيوف وألفتهم عن النكايات المجحفة بوزع المنايا والحتوف. والحروب فمرباه في مهودها ومنشاه بين أسودها ورعاتها وقفٌ على إضرامها وإخماد وقودها فإذا توردها توردها باسماً متهللاً وإذا اقتحم مضايقها تصرف فيها متوقفاً متمهلاً لا يحفل بأهوالها ولا يرى لقارعةٍ من عظائم قوارعها وآلها وحسبك فتكاته في طغاة الكفار وقصد أولياء الدولة بالإظهار: فإن الكفار حين نهدوا للنفاق واجتلبوا أشباههم من بعيد الآفاق وتهجموا على الأعمال فجأهم بعزمة من عزماته أقامت راية الدين وجعلتهم حصيداً خامدين وأفنت منهم الصناديد واصطلمتهم ببلايا تزيد على التعديد واجتحفتهم بالقتل والأسر والتفريق ورمتهم بدواهٍ لا يقدر بشريٌ على دفاعها ولا يطيق ولما التجأ طاغية الكفر إلى الحيرة وركد ورام الاعتصام بعروتها واجتهد واغتر بما معه من الجمع وكثرة العدد نهد إليه في الأبطال الأنجاد ونهض نحوه ثابتاً للقراع والجلاد فأزاله عن مجثمه وذعره ذعراً شرده عن معلمه ورماه بالحراك بعد السكون والتعب الذي قدر باغتراره أن مثله لا يكون وكم له فتكةٌ وعند تمادي عتاة الكفار في الإصرار وجوسهم خلال الديار ونفثهم في وجوه الأذى والإضرار وطمعهم في اجتياح أهل الأعمال والأقطار عول أمير المؤمنين في استئصالهم على عزمه واعتضد بذبه وحسمه وجعل إليه التدبير بالقاهرة المحروسة التي هي عمدة الإيمان والإسلام ودار هجرة الإمام ومعقل الخلافة منذ غابر الأيام وأطلق يده في رب جميع الأعمال وتأمينها من بوائق الأوجال فبث بالحضرة وبالأعمال من مهابته ما شرد الأوغار وسهل الأمصار ومحق الضلال وأذاقهم النكال فعم السكون والأمنة واستولت على الأعمال السياسة المستحسنة فحادت بنضرة الأيام وصلاح الوجود واغتبطوا من تدبره بصعود الجدود ورتعوا من عتايته في عيشٍ يضاهي عيش جنان الخلود فالبلاغات بأسرها لا تقوم بمدح ما أوتي من الفضائل ولا يوازي مجموعها منقبةً من مناقبه التي أربى بها على الملوك الأواخر والأوائل والخصائص الملوكية بجملتها فيه جبلة وفطرة وإذا قيست نادرةٌ من نوادر فضله بما تفرق في جميع الملوك كانت فضائله بمنزلة البحر ومجموع فضائل الملوك بمنزلة القطرة وقد طرز فضائله البديعة وخلاله السامية الرفيعة من موالاة أمير المؤمنين ومناصحة دولته بما تكفل بسعادة الدنيا والآخرة ونهايات مغانم الثواب الشريفة الفاخرة فليله ونهاره مصروفان إلى المجاهدة عن دولة أمير المؤمنين التي هي دولة التوحيد والمخلص فيها معرض لكل مقامٍ سعيد فمحاسنه ترتفع عن قدر ولما أحمد أمير المؤمنين أثرهما في خدمته وشكر قصدهما في دولته وكان السيد الأجل قد بلغ إربه في الخلال وحل المحل الذي لا تتعاطاه جوامح الآمال وقدره يشرف عن كل تكريم وموضعه يتميز عن كل منٍ جسيم ومنزلته تسمو عن كل تعظيم - فأوصى أمير المؤمنين السيد الأجل أن يقرر له جميع خدمه ويسبغ عليه في المستأنف أضفى نعمه: فإن محله يرتفع عن محل الخدم الجليلة ويسمو عن كل تصرف يسمه في الدولة بسمة جميلة ورأى أمير المؤمنين والسيد الأجل أن يعلن بإسناد النيابة عن والده في أمور المملكة إليه ويشهر أن ذلك معولٌ فيه عليه: ليخفف عن السيد الأجل أمير الجيوش أمر أثقالها ويتحمل عنه تكليفه بعض أحوالها ترفيهاً للسيد الأجل عن التعب وتخفيفاً من كثرة النصب على أن علو قدره الأجل لم يخله في وقتٍ من الأوقات من مشاركةٍ في التدبير ولا صده عن ممازجةٍ في مهمٍ كبير بل ما برحت يده في جميع أحوال الدولة جائلة وجلالة منصبه تقضي بأن تكون تصريفاته لجميع الأمور شاملة وتوقيعاته ماضيةً في الأموال والرجال والجهات والأعمال وأمير المؤمنين والسيد الأجل يستسعدان بأداته ويتتبعان في كل السياسات ما هو موافقٌ لإراداته: لما خصه الله به من المرامي الصائبة والمقاصد التي السعادة على ما يرد منها مواظبة وجبله عليه من المحافظة على حسن المرجع وحميد العاقبة - خرج أمر أمير المؤمنين إلى السيد الأجل بالإيعاز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل لك: فتقلد ما قلدته من النيابة عن والدك فيما إليه من أمور مملكته وأحوال دولته معتمداً على تقوى الله التي بها نجاة أهل اليقين وفوز سعداء المتقين لقول الله عز من قائل: واحمل عن السيد الأجل والدك ما يؤثر أن تحمله عنه من الأثقال وتكفل ما يكلفك إياه من الأشغال ونفذ ما يختار أن تنفذه وأنجز ما يؤثر أن تنجزه وأمض ما يشير إليك بإمضائه من أساليب التوقيعات وفنون المهمات وقم في كل من أمور نيابتك المقام الذي يرضيه ويوجبه برك ويقتضيه وقد جعلك الله ميمون النقيبة مسعود الضريبة مكمل الأدوات مؤهلاً لترقي الغايات لا تكبر عن مباشرتك كبيرة ولا تشف عن رتبتك رتبةٌ خطيرة واجر على عادة والدك في حسن السياسة والتدبير والإجمال للأولياء لكما في كل صغيرٍ من الأمور وكبير. والوصايا متسعة الفنون كثيرة الشجون ولك من مزية الكمال وفضيلة الجلال ومساعدة الإقبال والخبرة بالجهات والأعمال وطوائف الأولياء والرجال ما يعينك على استنباط دقائقها والعمل بحقائقها وسلوك أحسن طرائقها. هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته عليك فاعمل بأحكامه وأجر أمورك على نظامه وبالغ أيها السيد الأجل أمير الجيوش في شكر نعمة الله التي ألهمت الملوك إشاعة فضلك ورتبت السعود على اكتناف عقدك وحلك ومنحتك آية كليم الله فجعلت لك وزيراً من أهلك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعلى ذلك كتب بعض كتابهم عن العاضد لرزيك بن الصالح طلائع بن رزيك بولاية المظالم وتقدمة العسكر في وزارة أبيه وهذه نسخته: من عبد الله ووليه فلانٍ أبي فلان الإمام الفلاني بلقب الخلافة أمير المؤمنين إلى فلان بلقبه وكنيته. سلامٌ عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأئمة المهديين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فالحمد لله الغامر بالطول والفضل الآمر بالإحسان والعدل موسع سبل الصلاح لبريته ومسبب أسباب النجاح لدينه الحنيف وملته وجاعل أبرار أوليائه ذخائر معدةً لنفع الخلق ومصطفي سعداء أحبائه لإعلاء منار الشرع وإقامة قسطاس الحق وميسرهم للنهوض بالأعباء التي تتكفل بعضد الدولة العلوية وتقوم ومجتبيهم للفضل بمرضاته فيما يقضي بإغاثة الملهوف وإنصاف المظلوم الذي تنقاد بمشيئته الأمور وتتصرف بإرادته الدهور ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ويغدو فضله على عباده جسيماً و والحمد لله الذي أوضح بأنبيائه سبل الهدى للأنام وأنقذ بإرشادهم من عبادة الأوثان والأصنام وأقام باجتهادهم أحكام ما شرعه من الملل والأديان وأذهب بأنوارهم ما غمر الأمم من غياهب الظلم والعدوان وقفى على آثارهم بمن لا نبوة بعد نبوته ولا حجة أقطع من حجته ولا وصلة أفضل من وصلةٍ ذخرها لأمته ولا ذرية أقوم بحق الله في حفظ نظام الإيمان من عترته وذريته. يحمده أمير المؤمنين على أن مكن له في الأرض وذخر شفاعته لذوي الولاء في يوم النشور والعرض وأورثه خصائص من مضى من أئمة الهدى آبائه وأفرده بمعجز التأييد الذي أضاءت الآفاق بمشرق أنبائه ويشكره على أن أنجد دولته بكفيلٍ جدد جلبابها وظهيرٍ أحكم أسبابها ونصيرٍ بلغ بها في الولي والعدو مطالبها وآرابها واستنجب له من نجله خليلاً يتلوه في الفضائل البارعة وناصراً يحاول في الذب عن حوزته عزماً أمضى من السيوف القاطعة وعضداً يقوم له بإرضاء الخالق والمخلوق ومسعداً لا يألو جهداً في إيصال المستحقين إلى ما جعله الله لهم من الحقوق. ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ سيد من بلغ عن الله رسالةً وأمراً وأفضل من دعا إلى توحيد بارئه سراً وجهراً وأكمل من جاهد عن دينه حتى ظهرت بعد الدروس جدته وقهرت إثر الخضوع عزته وانتشرت في المشارق والمغارب كلمته ودعوته صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أبينا علي بن أبي طالب قسيمه في الشرف والأبوة وصديقه الأكبر فيما جاء به من النبوة والمكمل بالنص على إمامته الدين وخامس الخمسة الذين سادسهم الروح الأمين وأبي الأئمة الأبرار والهازم بمفرده كل جيش جرار وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام محجة الهدى وأنوار سبل الإيمان التي بأنوارها يستبصر ويقتدى وأدلة منهاج النجاة وكاشفي غمم الشك إذا الظلم دجاه وسلم ومجد وتابع وردد. وإن أمير المؤمنينلما اصطفاه الله له من إرث سر الإمامة المصون المكنون وحق بياته العظيم الذي بالخشوع لجلاله أفلح المؤمنون واختاره له من نشر لواء الحق ونصره وتأكيد أحكام الإنصاف ليحظى بعائدتها كافة أهل زمنه وعصره وألبسه إياه من تاج خلافته الذي أشرق لبصائر العارفين نوره الساطع وتجلى لأفهام الموقنين برهانه الصادع ودليله القاطع وأودعه من خفايا الحكم التي عذب سلسبيلها وبلغ إلى النعيم الخالد دليلها وسبيلها وكمله لأيامه من الإقبال الذي جعلها مواسم زاهيةً بهجة النصر المبين وأعياد ظفرٍ تروق بتوالي إبادة العادلين عن الطاعة الناكبين وأوقاتاً سعيدةً تفيد الدين وأولياءه عزاً واعتلاء وتوجب للإيمان وأنصاره اقتداراً واستيلاء وتسبغ عليهم كيفما تصرفت بهم الأحوال منناً ضافيةً وآلاء ويسره لعلمه من الإحاطة بكل مغيب مستور وأوجبه لأغراضه في كل ما يرومه من مظاهرة المقدور ومهده لحلوله من أشمخ منازل التطهير والتقديس وشرف به شيمه من كل خلق نبوي بارعٍ نفيس وفضله به من الكرم الذي لا تزال سحبه تجود الأمم سرفاً ولا تنفك غيوثه تجد لمن مطر به علاءً وشرفاً ولا برح وابله يعم بالنعم الغر الجسام ولا تكف سيوبه عن إفاضة المنن التي علت وغلت فلا تسامى ولا تسام وخص به إحسانه من المثابرة على إعظام المنائح للمستوجبين والمحافظة على إجزال المواهب للمزدلفين إليه بالأعمال الصالحة المتقربين يجهد آراءه في ارتياد من تتضاعف للبرية بالاستعانة بكماله أسباب المصالح وتتأكد للأمة بالتعويل على بارع فضله أحكام النجح والمناجح وتقوم الحجة عند الله بالاعتضاد به فيما يقضي بنفع العباد ويسهل الاعتماد على ديانته بالنصح لله في الحاضر من بريته والباد وينطق شرف خلائقه بتوفره على إحراز مغانم البر والتقوى وتعرب طرائقه عن السعي الذي لا يقف في مرضاة ربه دون بلوغ الغاية القصوى وتدل أحواله على رعاية حقوق الله سبحانه في كل ما يفعل ويقول وتوضح أخباره حسن تأتيه في مصالح الأمم لما يعجز عن استنباطه رواجح العقول ويقتدح نظره أنواراً يستضاء بها في طرق السياسات الفاضلة ويفتتح فكره أبواباً تضحى بها الخليقة غلىالخيرات الكاملة واصلة ويبعثه حسن جبلته على أن يحتقر في إعانة البرايا عظائم المشاق ويدعوه كرم سجيته إلى أن يحنو على الرعايا حنو من يتوخاهم بالرحمة والإشفاق ويقوى بإعانته المستضعف قوةً تحصنه من عدوى الاهتضام ويعز بملاحظته المستذل عزةً تخرجه عن صورة المقهور المستضام ويقتفي الآثار الصالحية في عدل الطباع وحسن الشيم ويتبع السنن الغياثية في الإحسان إلى جميع الأمم ويقصد في اللطف بالصغير والكبير قصدها وينتحي نواجم الباطل فيعتمد اجتثاثها وحصدها ويكون تفويض أمير المؤمنين إليه توثقاً عند خالقه وباريه واحتياطاً لنفسه في استناد المهمات منه إلى من لا يدانيه مدانٍ ولا يباريه وتتيمن الدولة العلوية بمباشرته للأحوال تيمناً يؤذن لها بإدراك كل مطلب بعيد وتستسعد بحسن سيرته استسعاداً يقضي للمناجح بتمكينٍ تبدي فيه وتعيد وتختال الأيام بما اجتلته من جواهر مفاخره وتزدان الأزمان بما توشحته من مناقبه التي حقرت الملوك في أول الدهر وآخره. وقد اكتنفتك أيها الأجل عنايات الله سبحانه واشتملت عليك وتتابعت مواد اصطفائه واجتبائه إليك وأنالتك من كل فضل بارعٍ غايته وأظهرت فيك لكل كمال رائع آيته وجمعت لك من معجزات المحاسن ما لولا مشاهدتك لوجب استحالة جمعه ولأنكر كل متدبرٍ صدر حديثه عن صدر صدره أو ورود سمعه ويسر لك تمام السعد والإقبال الترقي إلى ذروة العلى التي يهاب النجم أن تمر ملاحظتها منه ببال وتأنقت الحظوظ في إعظام ما خولتك من الفضائل الباهرة فبالغت وتناهت وأغرقت فيما أتحفتك به من المحاسن النادرة فشرفت بك وتباهت حتى غدا جسيم ما قدم شرحه من الثناء وذكره وعظيم ما وجب منه نشره فتضوع أرجه ونشره نغبةً من بحارها الزاخرة وشذرةً من عقودها الفاخرة وقليلاً من كثيرها الجسيم وضئيلاً من جزيلها الذي استكمل خصائص التعظيم. واستثمر فأنت الجامع لمفترق الفضائل الملكية والفارع ذرى الجلال الذي أفردتك به المواهب الملوكية والممنوح أعلى رتب السيادة السارية إليك من أكرم الأصول والملموح بارتقاء هضاب المجد التي عجز ملوك الآفاق عن الانتهاء إليها والوصول والأوحد الذي بذ العظماء فعظم خطراً وقدراً والأروع الذي انقادت له الصعاب فرحب باعاً وصدراً والعالم بالأمور الذي أصلح أعلم ملوك الأرض بأحسن التدبير وأدرى والمذكي بأنوار ذكائه في عاتم النوب سراجاً وهاجاً والمشمر في ذات الله فلا يوجد له على غير ما أرضاه معاجاً والمبتكر من غرائب السياسات ما لا تزال محاسنه على مفرق الزمن تاجاً والممجد اللهج بتمجيده كل مقول ولسان والمعجز كل متعاطٍ وإن كان بليغاً بديع الإحسان والممنوح المعرق في السيادة والمملكة والمبتدع المكارم أبكاراً تجل عن أن يشابهه أحدٌ فيها أو يشركه فآيات مجدك ظاهرةٌ باهرة وغر خلائقك في اختراع المآثر وافتراعها ماهرة وإليك إيماء السعادة وإشاراتها والدسوت باعتلائك مناكبها تسامي السماء أرجاؤها ويتحقق في البحر الأعظم بتصدرك فيها رجاؤها فلا كمال إلا ما أصبح إليك ينسب ولا جلال إلا ما يعد من خصائصك ويحسب ولم تزل لربك خاضعاً ولشرفك متواضعاً وأنوار الألمعية توضح لك من طرق الأمانة ما يعجز عن إدراكه قوي التجريب وتحكم لك من أحكام السياسة ما تقصر عن أقله فطن الحكماء الشيب وتبدي لك أسرار الأزمنة المتطاولة في إقبال سنك وتلين بتلطفاتٍ صلابة الخطوب مع نضارة غصنك وما برح لذكر أخبار صولتك وحديث ما عظمه الله من فروسيتك وشجاعتك يوفر حلوم الأبطال في الملاحم إذا أطارها الذعر فطاشت ويسكن نفوس الأنجاد في الملاحم إذا أطارها الذعر فجاشت ويحدث للجبناء جرأةً وإقداماً ويجعل الكهام في الحروب ملقاً حساماً فخيلاء الأعوجية زهو مما ترقبه من شرف امتطائك وصليل المشرفية ترنم بمطرب قصصك وأنبائك واهتزاز السمهرية جذلٌ بما كفلتها من إشادة علائك وضمنتها من إبادة أعدائك وليس بغريبٍ من تفضل الأملاك وتطأ أخامص السماك وتختال في وشي الوصف البديع وتشرق أسرة محاسنك فتخجل ضوء الصبح الصديع وقد أكرمك الله مع فضل الخليقة والفطرة وكمال الخصائص التي غدا كلٌ منها في بديع المعجزات ندرة ببنوة مغيث الأنام ومصلح الأيام وكفيل أمير المؤمنين وكافيه ومبرئ ملكه من أسقام الحوادث وشافيه السيد الأجل الملك وتتمة النعوت والدعاء الذي انتضاه الله لكشف الغمم وارتضاه لتدبير الأمم وفضله على ملوك العرب والعجم وشمخ علاؤه فتطامن له كل عليٍ ودان وسمت مواطئ أقدامه فتمنت منالها مواطئ التيجان وحاز بالمساعي الفضل الباهر أجمع واستولى على بواهر الحكم بالنظر الثاقب والقلب الأصمع وأفرد بكمالٍ عز أن تدركه الآمال أو يكون لاشتطاطها فيه مطمع أو مجال وغدا النصر المبين تابعاً لعذب ألويته وحسن إقباله في كل موطن كفيلٌ بإدبار العدو وتوليته وأجاب داعي الله إذ استنصر لآل بيت النبوة واستصرخ ولبى دعاءة تلبيةً تسطر أخبارها على ممر الزمان وتؤرخ وأجلى شياطين الضلال وقد تبعت في زعيمها الجاحد وثنا وصدها بالعزم المرهف عما أصرت عليه من منكر الإلحاد وثنى وبدلت سطاه جبابرة الطغاة من الأوطان بعداً وسحقاً وأمتعتهم فتكاته من الأعداء الوافرة إفناءً وسحقاً وأذاقتهم حملات جيوشه وبال أمر من عاضد باطلاً وعاند حقاً وجعلتهم شفار سيوفه الباترة في التنائف حصيداً وقصد بمواضيها أشلاءهم ودماءهم فألجم غروبها وسقى وكشف بلوامعها عن الدولة الفاطمية من معرتهم جنحاً عاتماً وغسقاً وكفل أمورهم فأحسن الإيالة والكفالة وأعادها إلى أفضل ما تقدم لها من القوة والفخامة والجلالة ونظر أحوالها فقوم كل معوجٍ وعدل كل مائل وحباها ملبس ولما أباد عصب العناد عطف على الاجتهاد في الجهاد فجابت جحافله متقاذف الأقطار ونالت من الفتك بالكفرة في أقصى بلادها نهاية الأوطار وانتزعت منهم الحصون واستباحت الممنع المصون حتى أصارت جلدهم المشهور فشلاً وفيض إقدامهم المذكور وشلاً وشمل الأمة بسيرةٍ عرفت بالعدل والإحسان وأحظت الخلائق بالأمن المديد الظلال وأرضتهم بالعيش الرائق الزلال وأنالتهم من المطالب ما اتسعت لإدراكه خطا الآمال وجاد ففضح الغمائم ومن على ذوي الذنوب حتى كاد يتقرب إليه بالجرائم وأقال عثراتٍ كبرت فلولا كرم سجيته لم يرم الإقالة من خطرها رائم وأمده الله من معجزات البلاغة والبيان وغرائب الحكم البديعة الافتنان ما يستخف الأحلام بفرط الطرب والإفتان ولم يزل منذ كان يحمي سرح الدين ويضم نشر المؤمنين ويبذل نفسه الشريفة في نصرة الدولة العلوية بذل أكمل ناصرٍ وأفضل معين وتكبر عظائم الخطوب فيكون عزمه أعظم وأكبر وتزهى الأيام بغر محاسنه وهو لا يزهى ولا يتكبر فقد عز جانب كماله عن أن يناهضه جهد المديح وارتفع محل جلاله فلا ينال تكييفه بإشارةٍ ولا تصريح وعظم قدر مفاخره فلم يقابل إلا بموالاة التمجيد لخالقه والتسبيح ووجب على متصفح خصائصه الموالاة في التعظيم ولزوم منهج استيداعٍ لا يبرح عنه ولا يريم ومبالغة قوله تعالى: فبلغ الله أمير المؤمنين في إطالة مدته الآمال وأبقى لمدته باستمرار نظره الحظ والجمال وفتح له المشارق والمغارب بهممه العالية وعزائمه وجعل نواجم الإلحاد حصائد شفار صوارمه فافخر أيها الرجل بأصلك وفرعك كيف شيت وابجح بما منحت منه وأوتيت ووال شكر خالقك على ما خولت وأوليت فما فخر بمثل فخرك ملكٌ سميدع ولا تباهى الدهر لأحد بمثل ما تباهى في حقك ولا أبدع. ولما تكامل لك أيها الأجل بلوغ هذا الفضل الجسيم وتم ما منحته من المجد الحادث والقديم جدد أمير المؤمنين لك شعار التعظيم وكمل لديك المفاخر تكميل العقد النظيم وجعل الخير في إمرته لك عياناً وأقامك للدولة الفائزية والمملكة الصالحية برهاناً وجعلك لكافة المسلمين في أقطار الأرض سلطاناً وطابق بين ما خصك به من السمات السنية وبين ما مكنه لك من المراتب العلية فاتخذك لدولته ناصراً وعضداً وانتخبك للإسلام مجداً وسنداً وأحيا بمرافدتك أنصار الدين وشفى بنظرك صدور المؤمنين واستخلصك لنفسه النفيسة حميماً وخليلاً وبلغ بك إلى الغاية القصوى إعلاءً وتبجيلاً وشرفك بخلع بديعةٍ من أخص ملابس الخلافة تروق محاسنها كل النواظر وتفوق بدائعها ما دبجه زهر الروض الناضر وقلدك سيفاً يؤذن بالتقليد ويبشر بالنصر الدائم المزيد تتنافس في متنه وفرنده الجواهر ويستولي ناصعها على الباطن منه والظاهر وعززها بالتشريفات التي اكتنفتها البهجة والبهاء وبلغتها في العلى إلى الغاية التي ليس بعدها انتاء وآثر أن تبسط يدك في التدبير ويعدق بك ما هو عنده بالمحل الكبير ويجمع لك من أشتات دولته ما لم يعرف لجمع مثله في سالف الزمن نظير ويسند إلى كمالك ما يعود النفع بصلاحه على المأمور من الأنام والأمير. ففاوض أيها السيد الأجل الملك الصالح والدك أدام الله قدرته وأعلى كلمته في ذلك مفاوضةً أفضت إلى وقوع الإجماع على أنك أكمل ملوك دهرك ديناً وأصحهم يقيناً وأشرفهم نفساً وأخلاقاً وأكرمهم أصولاً وأعراقاً وأمثلهم طريقةً وأحسنهم سيرة وأنقاهم صدراً وأطهرهم سريرة وأشفهم جوهراً وأزكاهم ضريبة وأتقاهم لله سراً وعلناً وأولاهم بأن لا يصدر عنه من الأفعال إلا جميلاً حسناً وأنك أفضل من عدق أمير المؤمنين بنظره أمر الدنيا والدين وأسند إلى ملاحظته أحوال أمراء الدولة ورجالها أجمعين وفوض مصالح المسلمين منه إلى التقي الأمين وأن السيد الأجل الملك الصالح أدام الله قدرته لما أخلص محله عند أمير المؤمنين بتتابع الإشادة وتفرد باستمرار المضاعفة بإذن الله تعالى والزيادة واستولى على الأمد الأقصى في السمو لديه والتعالي وانخفضت عن ثراه ذرى أشمخ المعالي كان عند أمير المؤمنين الأول في الجلال وأنت ثانيه والسابق في الفخار وأنت تاليه ودل بفضلك على فضله دلالة الصبح على النهار والنماء على الإبدار والثمر الطيب على فضيلة الأصل والنجار فتبارك مولي المنن لأوليائه وحبه القائل في محكم كتابه: وقرر لك أمير المؤمنين استشفاف أمور المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم والنظر في اسفهسلارية العساكر المؤيدة المنصورة إيثاراً من أمير المؤمنين لأن يجعل لك خير الدنيا والآخرة ميسراً ويثبت لك في كلٍ من أمور العاجلة والآجلة حديثاً حسناً وأثراً ورتب ذلك لك ترتيباً يصحبه التوفيق ويلزمه. ويكمله السعد ويتممه ويحيط به اليمن والنجاح ويشتمل عليه الحظ والفلاح. فتقلد ما قلدك أمير المؤمنين شاكراً لأنعمه متمسكاً بأسباب ولائه وعصمه جارياً على أحسن عاداتك في مراقبة الله وخيفته مستمراً على افضل حالاتك في خشيته متبعاً أوامره في العمل بتقواه وزاجراً للنفس عما تؤثره وتهواه يقول الله في كتابه المبين: والعم أن المظالم كنزٌ من كنوز الرحمة وبابٌ يتوصل منه إلى مصلحة الأمة ووسيلةٌ يتوسل بها السعداء إلى خالقهم في استبقاء ما أسبغ عليهم من النعمة فاجلس لها جلوساً عاماً ترفع فيه الحجاب وتيسر للوصول إليك عنده الأسباب وتأمر بتقريب المتظلمين وتوعز بإدنائهم لتسمع كلام الشاكين وتوفر على الأخذ بيد المستضعف القريع والحرمة التي لا تجد سبيلاً للإنصاف ولا تستطيع وتتقدم بأن تحضر بين يديك النائب في الحكم العزيز الذي على فتياه مدار أحكام الدين ومن تحتاجه من الموقعين والدواوين وتأمر بإحضار القصص وعرضها وتتأمل دعاوي المتظلمين في إبرامها ونقضها وتوقع على كلٍ منها بما يقتضيه الشرع وأحكامه ويوجبه العدل ونظامه. وانظر في مشكل القصص نظراً يزيل إشكالها ويجعل إلى لوازم الشرع والحق مآلها وراع أمر المنازعات حتى تنتهي إلى الأواخر ولا يبقى فيها تأملٌ لمتأمل ولا نظرٌ لناظر وتخرج أوامرك بإيصال كل ذي حقٍ إلى حقه وكف كل متعد عن سلوك سبيل العدوان وطرقه وليكن الضعيف أقوى الأقوياء عندك إلى أن يصل إلى حقه موفراً والقوي أضعف الضعفاء حتى يخرج مما عليه طائعاً أو مجبراً والشرع والعدل فهما قسطاسا الله في أرضه ومعينان على الحق من أراد العمل بواجب الحق وفرضه فخذ بهما وأعط بين العباد وأثبت أحكامهما فيما قرب وبعد من البلاد وساو بهما في الحقوق بين الأنام وصرف النصفة بحكمهما بين الخواص والعوام حتى ينتصف المشروف من الشريف والضعيف من ذي القوة العنيف والمغمور من الشهير والمأمور من الأمير والصغير من الكبير واستكثر بإغاثة عباد الله ذخائر الرضوان واستفتح بقيامك بحقوق الله فيهم أبواب الجنان واعمم بسعيد نظرك وتام تفقدك وملاحظاتك جميع صدور أولياء الدولة وكبرائها ومقدميها المطوقين وأمرائها وميز بها الأعيان ورجالها الظاهرة نجدتهم للعيان وتوخ الوجوه منهم بالإجلال والإكبار وتبليغ الأغراض والأوطار والتمييز الذي يحفظ نظام رتبهم وينيلهم من حراسة المنازل غاية أربهم والقهم مستبشراً كعادتك الحسنى واجر معهم في كرم الأخلاق على مذهبك الأسنى وعرفهم بإقبالك على مصالح أمورهم واتجاهك لمصالح شؤونهم بركة اشتمالهم بفضلك والتحافهم بظلك واقصد من يليهم بما يبسط آمالهم ويوسع في التكرمة مجالهم ويكسبهم عزة الإدناء والتقريب ويخصهم من إحفائك بأوفر سهم ونصيب وكافة الرجال فاحفظ نظامهم بحسن التدبير وأثر فيهم بجميل النظر أحسن التأثير وتوخهم بما يشد باهتمامك أزرهم ويصلح بتفقدك أمرهم ويقف على الطاعة سرهم وجهرهم وييسر لهم أسباب المصالح ويسهلها ويتمم لمطالبهم أحكام الميامن ويكملها وأصف لجميع ذكرهم من سابق في التقدمة وتال ومخلص في المشايعة وموال مناهل إحسان أمير المؤمنين الطامية الحمام المتعرضة مواردها العذبة لأدواء كافة الأنام فهم أنصار الدولة وأعوانها وأبناء الدعوة وخلصاؤها وشجعان المملكة وفرسانها ونجدة خلاصها عند اعتراض الكروب وسيوفها المذربة القاطعة الغروب وأسنتها المتوغلة من الأعداء في سويداء القلوب وحزبها الذي أذن الله بأنه الغالب غير المغلوب ولكلٍ منهم منزله من التقديم وموضعه من الاشتمال بظل الطول العميم ومحله من الغناء ومكانه من الكفاية الذي بلغ إليه فسده. فرتب كلاً من المقدمين في الموضع الجدير به اللائق وأوضح للموفقين أنوار مراشدك ليلحق بتهذيبك السكيت منهم بالسابق. والوصايا متسعة النطاق متشعبة الاشتقاق ولم يستوعب لك أمير المؤمنين أقسامها ولا حاول إتمامها: للاستغناء بما لك من المعرفة التي غدت في استنباط حكم السياسات أكبر معين ولا يزال يضيء لبصيرتك من أنوار السيد الأجل الملك الصالح - أدام الله قدرته - التي لا تبرح للبصائر لامعة ولمحاسن الأفعال وغررها جامعة ما تستعين بأضوائها على الغرض المطلوب من الإصابة وأكثر. هذا عهد أمير المؤمني إليك وإنعامه عليك فتلقه من الشكر بما يكون للمزيد سبباً مؤكداً ويغدو الإحسان معه مردداً مجدداً وابذل جهدك فيما أرضى الله وأرضى إمام العصر وثابر على الأعمال التي تناسب فضائلك المتجاوزة حد الحصر والله يعضدك بالتوفيق ويمهد لك إلى السعادة أسهل طريق ويرهف في الحرب عزائمك ويمضي في الأعداء صوارمك ويضاعف لك مواد النصر والتأييد ويخص بناء مجدك بالإعلاء والتشييد إن شاء الله. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قلت: والذي يظهر أن مما كان يكتب في دولتهم على هذه الطريق سجلات كبار نياباتهم حال استفحال الدولة في مبادئ أمرها قبل خروج البلاد الشاسعة عنها واستقلاعها من أيديهم: كدمشق ومضافاتها من البلاد الشامية قبل خروجها عنهم لبني أرتق في زمن المستنصر أحد خلفائهم وكأفريقية وما معها من بلاد الغرب قبل تغلب المعز بن باديس نائب المستنصر المتقدم ذكره بها وقطع الخطبة له وكجزيرة صقلية من جزائر البحر الرومي قبل تغلب رجال أحد ملوك الفرنج عليها وانتزاعها من أيديهم في زمن المستنصر المذكور أيضاً فإن دمشق وأفريقية وصقلية كانت من أعظم نياباتهم وأجل ولاياتهم فلا يبعد أن تكون في كتابة السجلات عندهم من هذه الطبقة.
|